خلاصه ماشینی:
"أما الحدود الجنوبیة للوطن العربی فی القارة الافریقیة،فهی ذات وضع خاص،اذ تتأثر بالدرجة الأولی بالوضع المناخی الذی ساعد علی خلق شریط انتقالی بین منطقة الصحراء الکبری و المنطقة المداریة،و یتمثل فی نطاق نباتی سهوبی أو سبسبی،جاف،ممتد من مصب نهر السنغال الی سفوح الهضبة الحبشیة بحیث یطوقها من الغرب و الشمال و الشرق باعتبارها حدا أو عقبة تضریسسیة و عرة و شاهقة،و القسم الأکبر من هذا النطاق الواقع فی الاقلیم السودانی الافریقی،یدعی الساحل،تشبیها له بالحد الفاصل بین البر و البحر،لأنه هنا یفصل بین الأرض الصحراویة الجرداء،و النطاق المداری الأخضر.
و ما أن بدأ الجلید بالذوبان و الانحسار قبل نحو عشرة آلاف عام نتیجة ارتفاع درجة الحرارة حتی وجدت منطقة الوطن العربی ربیعها الأول،حیث قلت الأمطار و زاد الدفء،و بدأت بوادر الجفاف الأولی التی تطورت بالتدریج الی الوضع الراهن حیث تحولت الأودیة الجرارة المطریة النظام فی داخل الوطن العربی الی أودیة جافة سیلیة النظام،و جفت البحیرات بالتدریج و تحولت عذوبتها الی ملوحة،و تشکلت سهول الهلال الخصیب فی أوسع مدلول لها من شمال الخلیج العربی حتی شواطیء دلتا النیل،کما تشکلت السهول الوسطی و الدنیا من حوض النیل،و تراجعت الخلجان البحریة الضحلة و حلت محلها السهول الساحلیة و السهول الدلتاویة،و تقهقرت الغابات و جفت السباسب العشبیة،و سادت فی البقاع الداخلیة الکثبان الرملیة،و انسحبت قطعان الحیوانات نحو الجنوب تحت تهدید الجفاف،و أخذت ترتسم المعالم الممیزة الراهنة لجغرافیة الوطن العربی،و أصبح الانسان فی هذه المنطقة الواسعة علی أعتاب عصر جدید بعد أن واجه أکبر عملیة تحد بیئی،و هو یشهد تحول اقلیمه من بیئة الغنی و الوفرة الی بیئة الصعوبات الناشئة المتزایدة،و أصبح الجهد البشری هو العنصر الأول فی البیئة الجدیدة."