خلاصه ماشینی:
"ب-اننی امیل الی الاعتقاد بأننا لا نملک سوی جزر صغیرة من الحقائق داخل محیط تاریخ المجتمع العربی الاسلامی،فهل من الممکن علمیا و منهجیا أن نؤسس مدرسة تأریخیة قومیة عربیة فی مثل هذه الحقل المعرفی الغامض؟هل ستساعد هذه الرؤیة الجدیدة التی نسعی جاهدین الی إرساء اسسها علی تکاثر تلک الجزر،و اتساع رقعتها،أم أنها ستؤدی الی التقوقع و الجمود الایدیولوجی،شأنها فی ذلک شأن کثیر من المدارس التأریخیة التی أعاقتها الایدیولوجیا و کبلتها؟.
أین المنهجیة التأریخیة العربیة الیوم من تلک القضایا الکبری التی طرحت قبل أکثر من ربع قرن؟انه لیس من المبالغة فی شیء اذا قلنا هنا إن المنهجیة قد عاشت تقلصا فی الجامعات العربیة، و فی کثیر مما نشر من المؤلفات التأریخیة،فقد أصبحت الدراسات الجدیدة و المجددة نادرة،و ذلک یعود الی أسباب موضوعیة متعددة لیس هنا مجال لشرحها،و لکن هذه الحقیقة تؤکد أن ظاهرة التردی التی تفشت فی الوطن العربی فی الفترة الأخیرة قد مست من قریب حقل العلوم الانسانیة و الاجتماعیة بصفة عامة،و حقل الدراسات التأریخیة الجدیة بصفة أخص.
إن انتقاء الموضوعات الهادفة فی مجال البحث التاریخی لا یتناقض مع الموضوعیة العلمیة،و لکن عوض أن أدرس ظاهرة التصوف،أو ظاهرة الدراویش فی العهد العثمانی أدرس المعتزلة و اخوان الصفاء،و فی تأریخ النصوص التأریخیة أدرس ابن خلدون،و المقریزی،قبل السیوطی و القلقشندی،و فی تأریخ العلاقة بین السلطة و المفکر أفضل دراسة دور القراء فی صدر الاسلام باعتبارهم یمثلون النخبة المثقفة للأمة الجدیدة و هی النخبة التی تعلقت بالمفهوم الجدید:الامة الاسلامیة مقابل مفهوم القبیلة،وسعت عن طریق المفهوم الجدید أن تمس من سلطة قریش نفسها،أدرس ذلک قبل دور الفقهاء فی الدول المرابطیة مثلا،و غیرها من الموضوعات التی أمیل الی الاعتقاد بأنها ما تزال قمینة بمزید البحث و التمحیص فی تاریخ المجتمع العربی الاسلامی."